Image default
Home » السّعي وراء المجهول
العائلة ذكريات

السّعي وراء المجهول

Daughter-face-crop

أريد أن أتنفس ..  أريد هواء … قلبي سيتوقف .. أنظر الى عائلتي الصغيرة بجانبي .. فيملئ الرعب قلبي خوفا عليهم من فقداني..

هذه قصتي مع الليل في الأشهر الاخيرة ، يضيق الخناق على عنقي يوما بعد يوم ،  فقدت الايام ألوانها ، إنها فقط كوابيس تزداد فظاعة يوم بعد يوم، الحزن في عيون النازحين من كل أنحاء سوريا من حولي،الذّل الذي يعيشونه، أصبح ذلك خبزي اليومي .

الموت، رائحة الدماء في كل مكان، الصرخات تملئ السماء ، سئمت من التظاهر بالابتسام ولعب دور الشخص الذي يحاول تدوير الزوايا أريد أن أصرخ أنا بحاجة لأن أصرخ ، لا، الوضع ليس بجيد وليس من السهل التعامل معه بايجابية انه فظيع جدا؛ كل شيء يقتل يوما بعد يوم، كل دقيقة نعيشها نفقد فيها قطعة من أجسادنا وأرواحنا ، أبحث عن أي نفق لأتمسك بنوره مهما كان صغيرا او بعيد ولكن لا أجده.

جاء الوقت لكي أنقذ روحي

بما أن جميع الطرق للخروج من سوريا غير قانونية والبلاد التي تسمح للسوريين بالدخول القانوني لا تتجاوز اصابع اليد فان العبور الغير قانوني عبر الحدود هو الطريق. واللذين يعملون في هذا المجال معروفون بانهم ليسوا ببشر ومن هنا تبدأ المعاناة مع مقابلة أول مهرب في مدينة القامشلي.

أنعم الله علي ببعض المال في تلك الايام فقصدت أفضل المهربين سمعة وأغلاهم سعرا أملا بأن لا أهرب من الموت الى الموت.

8003243790_9c2cd841f0_z

حزمت أشيائي وذهبت معه فأوصلني الى مدينة اسمها عامودا في الساعة الثانية فجرا وطلب مني الانتظار في مكان مظلم لساعات مع مجموعة من النساء والرجال ثم عاد أخيرا وقال لا نستطيع العبور اليوم، هذا اول وعد قد وعدني اياه قد أخلف به ، في اليوم الثاني طلب مني المحاولة ثانية فأخدني الى مجموعة مهربين أخرين وسلمني لهم فأخدوني بسيارتهم مع بعض العائلات الى مكان بعيد جدا في اقصى شمال شرق سوريا وعندما وصلنا نقطة حدودية طلب منا الهويات الشخصية فأعطاها لما يسمى حزب العمال الكردي فسجلوا أسمائنا وطلبوا منا دفع المال للسماح لنا بالتوجه للحدود التركية وهنا عرفت انه لا عودة فقد تم توثيق اسمي كخارج بشكل غير شرعي من سوريا.

ترجلنا من السيارات وطلب منا المهربون ان نمشي وكان معنا أطفال رضّع فطلبوا من أمهاتهم إعطائهم دواءً منوماً حتى لا يلاحظنا الجيش التركي بحال بكائهم وهنا عرفت انه لا يوجد اي تنسيق مع الحرس التركي كما يدعي المهرب.

مشينا اكثر من ثلاث ساعات ووصلنا الاسلاك الشائكة قام المهربون بتوسيع الفتحات فيها لتمكيننا من اجتيازها وقد علق البعض بالاسلاك وتمزق الكثير من الثياب والحقائب. بعد تجاوز الاسلاك فقدنا المهربين وبدأنا نتبع بعضنا البعض ولا نعرف بأننا ضالون ولكن كان في الافق بعض الأضواء قال لنا من لديه تجربة سابقة هذه أضواء مدينة تركية.

ونحن نمشي في حقول الذرة باتجاه الضوء بدأنا نسمع اطلاق نار ونداءات بمكبرات الصوت ولا نعرف اننا نحن المستهدفون أم لا فما كان منا الا ان استمرينا بالمشي الى ان وصلنا الى تلك الاضواء حيث تنفسنا الصعداء باجتياز المرحلة الاولى من الطريق الى الحياة

بدأت بدراسة الوضع في تركيا وما هي الخيارت للعمل والحياة فيها وما خلصت اليه من تجارب السوريين فيها أن من معه رأس مال كبير يستطيع البقاء فيها ومن ليس معه اي شي يستطيع العيش في المخيمات لان الرواتب للسوريين في تركيا لا تتناسب ابدا مع مستوى المعيشة بالاضافة للاستغلال والطمع من قبل بعض الاتراك.

من هنا بدأت بدراسة خيار السفر الى اوربا بشكل جدي كحل نهائي لهذه الحالة من عدم الاستقرار والقلق والوصول الى نقطة آمنة للاستقرار مهما كانت بعيدة.

Istanbul

مجددا بدأت رحلة البحث عن مهربين والخيارت كثيرة في اسطنبول ولكن الاصعب أن تجد الشخص الذي يقنعك بطريقته في التهريب وقد وضعت بذهني بعض النقاط والحدود التي يجب الا أتجاوزها؛

مثل ان لا أغادر تركيا الى اوربا الا عن طريق الطيران وهذا الطريق الاقل حظا بالنجاح خصوصا بعد الضغوطات على تركيا من قبل الاتحاد الاوربي بالحد من تدفق اللاجئين اليها

قابلت العديد من المهربين في منطقة اقصراي في اسطنبول والتي تعرف بوكر للتهريب والدعارة وجميع انواع الفساد ، جميع المهربين اللذين قابلتهم رواياتهم ضعيفة وخططهم هزيلة جدا وغير مقنعة ومن الواضح انها تجارب سخيفة فاشلة

بدأت التفكير بتأمين فيزا نظامية ووجدت أحدهم وعدني بتأمين فيزا نظامية الى اسبانيا خلال 20 يوما وقد أقنعني نوعا ما فقبلت

وبدأ العمل عليها وبعد 20 يوم قال انها قيد الدراسة ووعدني بعد اسبوع ثم اسبوع آخر وبعدها أغلق الهاتف. في تلك الاثناء كان الطيران صعباً جدا ولكن علي المحاولة وتقديم بعض التنازلات فتظاهرت بالاقتناع بخطة أحدهم وحاولت الخروج من مطار اسطنبول بفيزا مزورة وبالاتفاق مع احد الموظفين في المطار ولكن للاسف تم كشف الامر ومصادرة الجواز وتوقيفي لساعات

4931568020_02695998ed_z

بدأت استبعد خيار الطيران لانه اصبح شبه مستحيل في  تلك الايام. فكرت بالذهاب الى اليونان كأكثر السوريين ولكن مع الالتزام بالخيارات الامنة بعيدا عن البحر فوجدت مهرب كما يسموه خواجة، اسعاره مرتفعة ويقوم بتهريب الفنانين والاعلاميين والناس اللي معها مصاري وقد طلب مبلغ مرتفع مقابل طريقة مضمونة وامنة، فوافقت بسرعة لانه حينها كنت قد أكملت الشهر الرابع في تركيا وكانت طقوس السوريين لا تبعث بالامل في تلك الدولة حيث انتشرت ظاهرة التسول  وشحت فرص العمل والرواتب الضعيفة والاستغلال ناهيك عن الاشاعات حول الانتخابات ومستقبل السوريين في تركيا بالاضافة للمظاهرات ضد السوريين ومضايقة بعض السوريين في بعض المدن التركية. فوجدت في هذا المهرب الاخير طوق النجاة للخروج من تركيا لليونان وخاصة ان طريقته امنة وهي الخروج ببولمان سياحي من اسطنبول الى اثينا، قبلت وقمت بتأمين المبلغ بمكتب تأمين بحسب العرف السائد في التهريب. طلب مني ان البس ثياب مرتبة وحقيبة جيدة سياحية وبالفعل كنت جاهزا في الموعد، صعدت الى الباص ومعي بعض المسافرين الاتراك واليونانيين وتحرك الباص ليلا باتجاه اليونان. قبل وصول الحدود توقف الباص وتظاهر بعطل فأخبرني السائق انه على أن أدخل الصندوق الذي يقع تحت السائق تماما فدخلت فيه وكان بحجمي تماما ومظلم تماما تحرك الباص و بدأ صوت المحرك ينخر في رأسي وضجيج الباص  ومضت ساعات وانا بالداخل وبدأت اطرافي بالخدر وبدأت أمسجها وأفركها بيدي محاولا تحريك الدم بداخلها وكان الباص يتوقف عدة مرات عند الحواجز بسبب زحمة السيارات  وكل مرة يتوقف كنت أخاف ان يكشف أمري احد وأدعو من الله ان يتلطف بي واجتاز الحدود بسلام وأتذكر وجه طفلتي وأقول انها تستحق ان أتعذب قليلا لتعيش كباقي اطفال العالم فقد ولدت ابنتي في الحرب ونحن نازحون في محافظة أخرى تعاني من الحصار وسوء الخدمات فابنتي لا تعرف المراجيح حتى.

وبعد 6 ساعات توقف الباص وفتح السائق علي باب الصندوق وقال انت في اليونان واكملنا طريقنا الى اثينا بقي ضجيج الصندوق في راسي لاكثر من يومين .

لم نلمس ذلك التغيير الكبير في أثينا حيث الطقس الدافئ والسمراوات الجميلات والملامح العربية في وجوه الناس، اما الجديد فيها فهو  طقوس الجنس والشهوة كانت في كل مكان في محطات المترو والشوارع والحارات الضيقة.

ولكن اين السوريين من هذا في دولة كاليونان يعلق فيها اكثر من ثلاثين الف لاجئ انها بحق مقبرة للسوريين ولكن يبقى الامل موجوداً.

بدأنا عرض انفسنا على المهربين كسوق النخاسة فالتهريب في اليونان مختلف عن تركيا ففي اليونان التهريب فنون حيث كنا نذهب الى المهربين جماعات فيطلبوا منا الوقوف والتبختر أمامهم كالجواري وفي النهاية يختارون الوجوه الاوربية ويعتذرون من الباقي، طلب مني جميع المهربين اطلاق شعر راسي وتطويله لان ذلك يضفي طابعا اوربيا على الشخص.

3360896433_131e87f40d_z

حاولت الخروج من مطار اثينا 8 مرات مع مهربين آمنوا بامكانياتي بتجاوز المطار بجوازات وهويات ايطالية معتقدين ان الوجوه الايطالية هي الاقرب للشباب السوريين ولكن دون جدوى دائما كان الكونترول اليوناني يمسكني عند باب الطيارة احيانا لرداءة الاوراق واحيانا لمجرد النظر لشكلي

امضيت شهرين ونصف بدون جدوى الى ان عرض علي أحد الاصدقاء الاوربيين الذي كان يدعمني منذ خروجي من سوريا وقد قابلته في تركيا ان استخدم بطاقته الشخصية، توضحت ملامح الخطة امامنا فقمنا بالاتفاق على الخطة النهائية فسافر الى بلده قبلي وترك لي تنفيذها.

في ظروف مثالية ويوم مزدحم جدا طلبت منه حجز مقعد في تلك الرحلة ودخلت الى حمامات المطار قمت بتحديث اللوك والتأكد من هيئتي وحملت البطاقة والبوردينغ بعد أن ارسله على هاتفي وتوجهت للبوابة

كان الامر كالحلم فقد تجاوزت المضيفين على باب الطيارة بكل سلاسة وعندما تمنوا لي رحلة سعيدة شعرت ان العالم توقف في تلك اللحظة ولم تعد قدمي قادرة على المشي ولكن بنفس الوقت توجهت للطائرة بدون ان اشعر دخلت الى الطائرة وجلست في المكان خاصتي وكتبت رسالة الى صديقي الاوربي ان الامر قد نجح ولم أتجرأ على ارسالها قبل ان تقلع الطائرة وبالفعل عندما تحركت الطائرة وبدأت بالاقلاع ارسلت الرسالة واجهشت بالبكاء لن انسى تلك اللحظة كل حياتي وشكرت الله كثيرا على ذلك

لم يكتفي صديقي الاوربي بذلك فقد قام بالطلب من احد أصدقائه في باريس باستقبالي وبالفعل استضافني احد اصدقائه في ليلتي الاولى في باريس حيث شعرت ان جميع أضواء باريس قد احتفلت بقدومي وبنجاتي من مقبرة السوريين في اليونان

بعد يومين ركبت قطارا متوجها من باريس الى كوبنهاغن البلد الهدف بالنسبة لي وقد كان لي ما اردت حيث وصلت الى كوبنهاغن خلال ساعات وقدمت على اللجوء فيها

القيت جميع احمالي وتعبي ومعاناتي خلال الطريق في (الدنمارك) واتمنى ان اجد فيه ما أصبو إليه، حصلت الان على اقامة خمس سنوات وقمت بمعاملة لم الشمل لاسرتي كنت أعرف مسبقا ان اوربا ليست الجنة ولكنني لا ابحث عن الجنة على الارض واعرف انها فقط في السماء، إنّما اتمنى ان اعيش الخمس سنوات القادمة مع اسرتي في هذا البلد كمكان آمن واتمنى ان يعود الامان لبلادي واعود انا وعائلتي فنبنيها من جديد.

1491509364_660aa050a2_z

مقالات ذات الصلة

Leave a Comment

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. قبول Read More