Image default
Home » ابراهيم كيفو | مغني و عازف
الفنون الحضارة الموسيقى

ابراهيم كيفو | مغني و عازف

لقد ولدت في الحسكة، في منطقة غنية بتنوع الثقافات والتراث الفني ، الجزيرة السورية. عرّفتك والدتك على الترانيم الأرمنية. كيف بدأ شغفك  بالموسيقى؟

ولدت في قرية صغيرة اسمها دوكر قريبة من بلدة عامودا في محافظة الحسكة في سوريا. هذه المنطقة التي تعتبر جزء من بلاد مابين النهرين (دجلة والفرات) و تسمى أيضا ميسوپوتاميا وهي منطقة جغرافية تاريخية تعد من أولى المراكز الحضارية في العالم..

بدأ شغفي بالموسيقا مبكرا جدا و ذلك لسببين رئيسيين. السبب الأول كان والدتي و والدي.  اعتادت والدتي على تلاوة الترانيم الأرمنية في أذني قبل النوم. سحرتني تلك الترانيم على الرغم من عدم فهمي لمعانيها بشكل كامل. والدي أيضا دعمني من خلال إيمانه باني خلقت لأكون موسيقيا. والدي كان يملك و يعمل في طاحونة حبوب في المنطقة. كانت الطاحونة تجمع هائل للناس من جميع أنحاء المنطقة. لطالما اعتبرت طاحونة أبي مركزا ثقافيا للمنطقة برمتها. حيث حصل والدي على راديو ذلك الوقت و كان الزبائن ينتهزون فرصة طحن الحبوب للاستماع للموسيقا وتبادل الاخبار والقصص و الحكايا. ساعدني أبي كثيرا للاستفادة من وجودي في الطاحونة لتشكيل مخزوني الموسيقي والحديث مع الناس عن الموسيقا.

 السبب الثاني لشغفي بالموسقا منذ طفولتي كان ولادتي في قرية دوبر ذات الغالبية الايزيدية حيث تعتبر الموسيقى ركن أساسي من الديانة الايزيدية و ذات طبيعة قدسية. استمعت لتراتيل ايزيدية دينية قديمة جدا و ذات قيمة موسيقية عالية جدا.

كل هذا ساهم بانجذابي كليا للموسيقا لدرجة اني عندما بلغت عمر التاسعة, بدأت بصناعة آلات موسيقية يدويا من الاخشاب و أواني الزيت البلاستيكية الى أن اشترى لي أبي ألة بزق عندما بلغت عمرالثانية عشرة,  اشتراها من رجل صوفي في القرى المجاورة. و بالعودة ثا نية لقريتي دوبر لقد كانت حقا بيئة ملائمة للموسيقا. أتذكر عندما بدأت بعزف بعض الالحان البسيطة كنت ألاقي تشجيع لا يوصف من الجميع ذلك التشجيع ساهم كثيرا بشغفي بالموسيقا حتى اليوم.

“طريق الكرامة” في بيت ثقافة برلادا

هل يمكنك أن تشاركنا تجربتك عندما درست مع نوري اسكندر (رائد الموسيقية السريانية أو الآرامية )؟

أعتبر الاستاذ نوري اسكندر هو الاب الروحي لي. الحقيقة عندما اتحدث عنه لا استطيع التوقف. لم ولن أوفيه حقه بالكلام.. تعرفت عليه ببداية دراستي للموسيقى بمعهد حلب للموسيقا. جمعتنا أحاديث كثيرة خلال دراستي في المعهد عن غنى منطقة الجزيرة بألوان الموسيقا. أخبرني بوقتها أنني أحمل الكثير في جعبتي من منطقة الجزيرة وقد تكون فرصة للتعريف بموسيقا المنطقة التي جئت منها. اخبرني بذلك الوقت اننا ليس فقط معلم و طالب, بل نحن أصدقاء وذلك قد عنى لي الكثير.

استطيع أن أصور علاقتي بالاستاذ نوري كما لوأنني جئت بحقيبة مليئة بالالوان و الادوات و قد ساعدني الاستاذ نوري بترتيب تلك الالون و الادوات و تنظيمها  بالطريقة المثلى لاستخدامها و توظيفها بالاتجاه الصحيح. 

استمرت علاقتي به و دعمه لي إلى مرحلة مشاركاتي بمهرجان الأغنية السورية. حيث بدأت أعمالي بالانتشار في كل سوريا وكذلك عالميا إلى حد ما. حصلت بمهرجان الاغنية السورية على جوائزقيمة مثل جائزة أورنينا الذهبية عن أغنيتي مسا الخير.

من أهم تجاربي مع الاستاذ نوري و التي اعتبرها مشاركة فريدة و علامة فارقة في مسيرتي الموسيقية,  العمل المشترك بين مجموعة الاستاذ نوري اسكندر و الدولة الهولندية هوعمل عابدات باخوس. والذي تم تقديمه على مسرح اكروبولوس في اليونان و من خلاله حزت على جائزة مخرج العمل والتي أفتخر بها كثيرا. ذلك المشروع قدمني عالميا و فتح لي افاق كثيرة على المستوى العالمي. بعد ذلك العمل شاركت بالكثير من الأعمال على مستوى العالم ومن نتائج تلك المشاركات انجاز اسطوانتي العالمية و التي هي بعنوان (ابراهيم كيفو غناء الجزيرة السورية) و الذي حصل على جائزة شارل كروز من فرنسا.

بالإضافة إلى التقاليد البدوية ، وجدت إلهامًا كبيرًا في الحضارات والأديان القديمة التي بقيت على قيد الحياة في هذه المنطقة: الآشورية التي لغتها الرئيسية هي الآرامية واللغة السريانية والمسيحية والإيزيدية الديانة الكردية القديمة … تخبرنا كيف تشكل الثقافات والموسيقى المختلفة جزءًا رائعًا من الثقافة الشعبية في جميع أنحاء المنطقة – هل يمكنك وصف كيف كانت متأصلة بعمق في الحياة اليومية للأشخاص الذين يعيشون هناك؟

 عندما قمت بتأليف أغنية مسا الخير, كما نعلم كلمة مسا الخير هي تحية مأخوذة من حياتنا اليومية, عندما يمشي المرء بشارع بمنطقة الجزيرة لربما سيسمع تلك التحية بعدة لغات مختلفة بحسب الاعراق و القوميات الموجودة هناك. أعتقد أن تلك المنطقة قائمة على التنوع لم ولن تكن هناك بدون التنوع . كل ذلك ألهمني لتأليف الأغنية والتي تعكس التنوع في المنطقة. قلت أيضا بنفس الاغنية جملة تقول (قومو نرقص هللايا) هللايا هي رقصة يرقصها جميع أهالي منطقة الجزيرة من كل الأعراق. الموسيقا انعكاس حقيقي لحال اهالي المنطقة و ساهمت بجمع أهالي المنطقة و إبراز ملامح هويتهم.  كما أن الموسيقى ساهمت الى حد كبير بتعريف المجموعات العرقية  على بعضها  في الجزيرة نفسها, و من ناحية ثانية أغنية مسا الخير ساهمت بالتعريف عن مفردات منطقة الجزيرة و قدمت لون موسيقي سوري جديد و هو اللون الجزراوي للسوريين و المنطقة بشكل عام.

 استخدمت الموسيقى بمنطقة الجزيرة كتعبير عن احترام و تقدير التنوع بالمنطقة. على سبيل المثال يحرص شعب الجزيرة على غناء أغاني و تأدية رقصات بلغات متنوعة بحفلات الاعراس و ذلك لتمثيل كافة الاعراق والقوميات في الحفلات و تعزيز التلاحم و المشاركة الجماعية من قبل جميع المدعويين.

ساهمت الموسيقى بالتعربف عن تاريخ المجموعات العرقية الموجودة في منطقة الجزيرة و ثقافتها و معتقداتها. أذكر على سبيل المثال لا الحصر الدور الكبير الذي لعبته موسيقى البايزوك الكردية و هو لون مميز و فريد من الموسيقى. موسيقى البايزوك تروي الملاحم الكردية.بالاضافة للون الموسيقي السرياني والغنائي( الراوة ) والذي قدم قصص من تاريخ السريان وأبطالهم للمنطقة. كما ساهمت الموسيفى بتعريف المنطقة بارتباط الموسيقى السريانية باللغة الارامية والديانة المسيحية. مثال أخر من ذكرياتي بطاحونة والدي, اعتاد بعض العرب البدو القدوم لطاحونة والدي و بالتالي الغناء هناك. حيث تعرفت على لون المواويل البدوية وألة الربابة الموسيقية والتي تعكس الثقافة البدوية. الموسيقى أتاحت فرصة للجميع للتعلم عن بعضهم البعض.كل ذلك أسهم الى حد كبير بتعزيز التعايش في المنطقة.

كل ذلك شكل عندي قناعة بأن الموسيقى هي الحرب المنتصرة على كل الحروب, إيقاع الحرب هو إيقاع خاطى و إيقاع الموسيقى هو الإيقاع الصحيح الذي يشكل الهوية الانسانية للانسان.

يمكن ربط الأدوات بمشاعر مختلفة ، ويُعتقد أن الدف هو أول أداة يعرفها البشر. قد نشعر بدقة الدف قريبة من دقات قلبنا … حيث تختلف الآلات الوترية ، فإن المشاعر التي تنتج في أولئك الذين يستمعون إلى الصوت مختلفة. هل تشعر بمثل هذه المشاعر بالحب ، والحزن ، والكآبة … هل يمكن أن تنقل بشكل مختلف العزف على إيقاع أو آلة وترية؟

هنا أميز بين تأثير الموسيقى علي كمستمع و كعازف. أنا ارتاح كثيرا للألات الوترية و هي الاقرب الى قلبي. يعود ذلك لصلتي الوثيقة مع ألة البزق منذ طفولتي. علاقتي مع البزق كعلاقة الاخ و أخيه. تدور بيننا حوارات قد تكون احتفال بالنجاح و قد تكون لوم و معاتبة. كل ذلك جعل من الآلات الوترية  مكانة قريبة جدا من قلبي كمستمع و كعازف. من ناحية ثانية أرى أن اللحن الجميل هو المعيار الاساسي لتأثير الموسيقى على الانسان. 

أنت مقيم في ألمانيا ، وتسافر عبر الحدود لتقدم جمال فنك إلى الجماهير الدولية – في عام 2002 كما ذكرت غنيت في “باخوس” ليوربيديس بموسيقى من تأليف نوري إسكندر. منذ ذلك العام ، هل تطورت موسيقاك أو تأثرت بأنماط الموسيقى التي واجهتها منذ أوركسترا Osnabruck Chamber Music Orchestra؟

تلك التجربة مع الاستاذ نوري اسكندر كما ذكرت قدمتني للموسيقا العالمية و قد عملت و شاركت بأداء الوان موسيقية جديدة. على سبيل المثال قمت بالمشاركة بأداء موسيقي يمزج بين الفلامينكو و موسيقا الجزيرة في اسبانيا. كل ذلك اعطاني نظرة أوسع عن الالوان الموسيقية و مدى امكانية التزاوج بينها و العمل المشترك. أعتقد أنه من المثير للاهتمام الالتزام بلون تراث منطقة ما و لكن من الرائع تقديمه بطريقة جديدة الى جانب الوان ثانية وابراز جمال الالوان الموسيقية بجانب بعضها البعض. أحيانا سيكون جميل أن تلبس بعض الالوان الموسيقية لباسا جديدا مع الحفاظ على قيمتها الحقيقة و سحرها.

نتيجة لذلك أعتقد أني تأثرت بكل تلك الوان الموسيقية و من الممكن أني أثرت بها بشكل ما. انه عملية أشبه بالتطعيم الذي يعطي ثمرات فريدة و جميلة. من أجمل ما أذكره على المسارح العالمية هو غناء العربي للون غربي او غناء الاوربي للون عربي أو كردي. كل ذلك يرسخ ايماني بأن رسالة الانسانية واحدة وأن لنا جذر واحد و هو المحبة.

هذا التراث الغني بشكل استثنائي هو هدية تشاركها مع الأجيال الشابة والجماهير الغربية عبر الحدود ؛ تراث تأثر بشكل كبير بتحديات النزوح ونشعر أنه من الضروري أن نحافظ عليه من أجل المستقبل.

هل تود أن تشاركنا أي مشروع جديد تعمل عليه هذه الأيام؟

انا بصدد تحضير لمشروع موسيقي بألمانيا و تحديدا مع الاكاديمية الايزيدية في مدينة هانوفر.العمل عبارة عن تدريس و مشاركة خبرتي بالغناء و الموسيقى و التجارب التي احضرتها معي لطلاب الاكاديمية بهدف الحفاظ على التراث الموسيقي الايزيدي و انا متحمس جدا لهذه التجربة. 

اعمل أيضا على اسطوانة جديدة تحتوي على أغاني تراثية و أغاني جديدة من تأليفي . العمل يتم مع زملاء و أخوة موسيقيين من خلفيات مختلفة و ألوان مختلفة. بالاضافة الى ذلك لدي الكثير من الحفلات و الامسيات بمناطق مختلفة من العالم. 

في النهاية لدي أمنية أود أن أشاركها مع موقع قصتنا. أتمنى بيوم من الأيام أن يتم تحوبل جميع الأسلحة التي تستخدم في الحروب لآلات موسيقية سواء الخفيفة والثفيلة. أتخيل دائما ربط أوتار على بارودة الكلاشنكوف بطريقة معينة لتصبح قابلة لإخراج الحان جميلة و أتخيل أن كل هذه الأسلحة أن تقدم أمسية موسيقية للعالم و تصبح أدوات لنشر السلام.

مقابلة بواسطة: عبدالله السماعيل

مقالات ذات الصلة

Leave a Comment

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. قبول Read More